اكتب إيميلك ليصلك كل جديد المدونة

الأربعاء، 18 أبريل 2018


مناهج القابلين للتعلم بين الواقع والمأمول
بقلم: أفنان النخيلان
التعليم حق تكفله الدولة للجميع، فالمدرسة تتحمل مسؤولية تعليم جميع الأطفال معوقين كانوا أو غير معوقين، فإن لهم الحق في الحصول على تعليم مناسب بما يتماشى مع قدراتهم العقلية والجسمية وخصائصهم التعليمية والحسية واللغوية، مع توفر البيئة التي تلاءمهم؛ وذلك لأن قدرة المتعلم على التعلم تختلف خصوصاً إذا كانت به إعاقة عقليَّة تجعل تدريسه يحتاج إلى تهيئة خاصة، وإمكانات وتجهيزات مناسبة.
فالإعاقة العقلية البسيطة هي أحد فئات الإعاقات العقليَّة التي تندرج تحتها حالات القابلين للتعلم حسب متغير البعد التربوي، والتي كانت من أولى الإعاقات التي عرفتها المجتمعات الإنسانية، وأولت إليها الاهتمام مع اختلاف درجة ونوعية هذا الاهتمام، فهذه الفئة لها قدراتها وإمكانياتها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من أقرانها العاديين، كما أن هذه الخصائص التي تتميز بها تؤثر بطريقة أو بأخرى على عملية تعليمها.
 لذلك نجد أنَّ الفهم الجيد لهذه الإعاقة ومستوياتها، وخصائصها، يجعل المسؤولين يضعون من المناهج ما يناسب هذه الفئة، ويناسب قدراتهم وخصائصهم، فالمناهج كما نعلم تحتل مركزاً هاماً في العملية التعليميَّة والتربوية، وتعتبر العمود الفقري للتربية، فهي أحد الميادين الهامة والمؤثرة التي تسهم في تعليم وتطوير هؤلاء الفئة وفي إصلاح حال الأمة، إذا أُعطيت حقها على الوجه الأكمل من قِبل القائمين عليها.
ولا يخفى علينا الجهود المبذولة حالياً لخدمة ذوي الإعاقة العقلية من فئة القابلين للتعلم بالمملكة العربية السعودية، وما تشتمل عليه من الممارسات والتحوّلات الحديثة التي ظهرت في تربيتهم وتعليمهم وتطويرهم، وعلى وجه الخصوص تلك الممارسات ذات العلاقة بطبيعة المناهج التي ينبغي أن تقدَّم لهم، فالمناهج التي يدرسها القابلين للتعلم هي بالأصل مناهج التعليم العام، لكن قُلصت وعُدلت موضوعاتها لكي تناسب التعليم الخاص المدمج في المدارس العادية، فالمنهج الخاص مستند إلى المنهج العام، والمقصود بذلك الاستفادة من المناهج العامة في تدريس هذه الفئة كل ما كان ذلك ممكناً، أو الاستفادة من أجزاء من تلك المناهج بما يخدم هذه الفئة، وفق شروط وضوابط معينة وأدلة مرجعية مرتبطة بكل ما يؤثر ويتأثر بهذه العمليَّة من معلم ومتعلم وبيئة صفيَّة ووسائل وأنشطة وتقنيات، مع وجود مختصين يعملون على تكييف هذه البيئة، والمناهج، وطرائق التدريس بما يتناسب مع خصائص المتعلمين واحتياجاتهم .
لكن الواقع الحالي لمناهج هذه الفئة مع الأسف يفتقر لكل ما ذُكر، صحيح أن هذه الفئة قدراتها العقلية منخفضة عن العاديين، وأن كل متعلم منهم له خصائص مختلفة عن غيره إلا أنه يشتركون في معظم الخصائص، التي تجعلنا نقول أن مناهجهم المنبثقة من مناهج التعليم العام المقدمة لهم غير واقعية ولا ترتقي بهم، فهي لم تُبنى على أسس مرجعية أو معايير محددة، بل هي برامج تعتمد على مناهج قديمة، تسير وفق تعديلات مُتقطِّعة عليها بحسب رؤية القائمين عليها، فهل من الممكن أن أدرس هذه الفئة مناهج التعليم العام؟!، أو أكتفي بتقليص الموضوعات؟! فالمنهج يتحمل الكثير من التقصير والتضليل، فيما يقدِم؟ ولمن يُقدَم؟ وبناء على ماذا يُقدم؟ وكيف يُقدم؟ ومن يُقدمه؟  لا توجد أجوبة صريحة وواضحة لها مستمدة من أسس مرجعية أو معايير .
بالإضافة إلى أن هذه المناهج تفتقر لأدلة المعلمين فهي مناهج دون مرشد للمعلم، الغالبية العظمى من المعلمين يدرس هذه الفئة دون توظيف طرائق التدريس والتقنيات التعليمية في إيصال المحتوى، وبدون استخدام أساليب محددة في التقويم، فما يُطبق على متعلم يطبق على الجميع ليس هناك تعليم متمايز يراعي فروقهم، فهل يُعقل أن تقدم المادة العلميَّة لهذه الفئة بهذه الآلية؟! وهذا ما لمسته الكاتبة عند تحكيم الوحدة العلاجية المقترحة لأحد الصفوف الابتدائية ودليلها في مرحلة الماجستير، فأغلب المعلمات طلبن الدليل للاسترشاد به والاستفادة من ما ضُمن فيه من استراتيجيات ووسائل وأنشطة حديثة يمكن أن تُفعل عند تطبيق المنهج وتدريس هذه الفئة، ولا يخلو حديثهن من شكواهن بعدم توفر دليل لكل معلمة مختص بكل مادة، كما في التعليم العام، هذا بالنسبة للمرحلة الابتدائية التي نأمل أن تصل إلى المستوى المأمول، أما المرحلة المتوسطة والثانوية فهي مع الأسف تعتمد فقط على أهداف تعليمية عامة وخاصة تبعاً للخصائص والاحتياجات التربوية التابعة لها وفق الخطة الدراسية المعتمدة،  والواقع  أن بعض المعلمين يعتمدون على منهج المرحلة الابتدائية، إعادة لم سَبق تدريسه، واجتهادات تتفاوت من معلم إلى آخر..!
على أية حال هناك توجهات من وزارة التعليم بقيادة وزيرها والتي تنص على تأليف ومراجعة مناهج ذوي الإعاقة العقليَّة في المدارس العادية، وأن المناهج الجديدة تم إعدادها وفقاً لدليل المعلم لكل المراحل، والذي يضم مجموعة من الأهداف التعليمية لكل المواد وفقاً للخطة الدراسية المعتمدة لهم، وهي عبارة عن "كتب للطالب" لمرحلة الصفوف الأولية والعليا في المرحلة الابتدائية كل على حدة، "وكتب للطالب" في المرحلة المتوسطة، "وكتب للطالب" في المرحلة الثانوية "البرنامج التربوي التأهيلي"، كما سيتم تقديم كل ما من شأنه معالجة وتطوير المناهج التعليمية لهذه الفئة بما يحقق أهداف الوزارة ويواكب التطور المتنامي في مناهج التعليم العام بالتكامل مع كافة قطاعات الوزارة من خلال العمل والتنسيق بشأن أي عمل متعلّق بطلاب وطالبات التربية الخاصة على اختلاف مساراتهم، نأمل أن نراها على أرض الواقع.
وأخيراً يجب أن نؤمن بأن الله - سبحانه وتعالى- أودع فيهم قدرات لا بد من الاستفادة منها وتطويرها والارتقاء بها، كما يجب أن نقتنع بما أثبتته الدراسات الأجنبيَّة أن معظم المتعلمين من ذوي الإعاقة العقلية البسيطة في الدول المتقدمة لا يعودوا من هؤلاء الفئة عند تخرجهم من المدرسة، حيث أن معدل ذكائهم يصبح أعلى من (75) على منحنى التوزيع الطبيعي للقدرة العقلية بفعل التدريب المكثف والفعال، وهذا الإيمان والاقتناع يجعلنا نقدم لهذه الفئة الكثير من أجل تحقيق هذا الهدف.